سياسة وإقتصاد

ناشيونال إنترست | لماذا لا تُعتبر روسيا قوة عظمى في مجال حاملات الطائرات؟

ترجمة – آية سيد

تاريخيًّا, كان الاتحاد السوفيتي قوة برية, ولمعظم تاريخه صارع مع فكرة امتلاك ذراع طيران بحري ضخم, واستقر في النهاية على مجموعة من حاملات الطائرات الهجينة. انتهت الخطط الكبيرة لإضافة سفن بانهيار الاتحاد السوفيتي, لكن ورثت روسيا حاملة طائرات ضخمة بنهاية الحرب الباردة، والتي تظل في الخدمة حتى اليوم. وعلى الرغم من أن الكثير من المشكلات التي حطمت مشروعات الطيران البحري الخاصة بالاتحاد السوفيتي تبقى اليوم, تحظى البحرية الروسية بواحدة من حاملات الطائرات الأكثر نشاطًا في العالم.

تاريخ الطيران البحري الروسي
بذل الاتحاد السوفيتي العديد من الجهود الرامية لتطوير حاملات الطائرات في المراحل المبكرة من تاريخه, لكن نقص الموارد, مصحوبًا بجغرافيا أكدت على أهمية القوة البرية, جعل الاستثمار الجاد مستحيلًا. وأثناء الحرب الباردة, كان أول نجاح للطيران البحري هو “موسكفا” و”لنينجراد”, وهما حاملتا مروحيات صُممتا بشكل رئيس للحرب المضادة للغواصات. هاتان السفينتان, ذات المظهر البشع, أزاحتا 17 ألف طن واستطاعتا عمل حوالي ثلاثين عقدة بحرية, وحملت كل منهما 18 مروحية. دخلت “موسكفا” الخدمة في 1967, و”لنينجراد” في 1969. وأعقبت فئة الموسكفا فئة كييف, الأقرب إلى حاملات الطائرات الحقيقية، واستطاعت الحاملات الكييف الأربع عمل ثلاثين عقدة بحرية وحمل مجموعة من ثلاثين مروحية ومقاتلات Yak-38 VSTOL, مع إزاحة 45 ألف طن.

كل هذه السفن تركت الخدمة بنهاية الحرب الباردة؛ خرجت الموسكفا وواحدة من الكييف من الخدمة, وانتهى الحال باثنتين من الكييف كمتاحف في الصين, وواحدة أُعيد بنائها وبيعت إلى الهند تحت اسم INS Vikramaditya. وفي الثمانينيات, وضع الاتحاد السوفيتي الأساس لأول حاملتين حقيقيتين, على الرغم من أن واحدة فقط تم إكمالها قبل انهيار البلاد.

الوضع الحالي لقوة حاملات الطائرات الروسية
في الوقت الراهن, حاملة الطائرات الوحيدة لروسيا هي أدميرال كوزنيتسوف. تزيح كوزنيتسوف حوالي 60 ألف طن, وتستطيع نظريًّا عمل ثلاثين عقدة, وحمل مجموعة من أربعين مروحية وطائرة مقاتلة. دخلت كوزنيتسوف الخدمة في 1990؛ وبقيت مثيلتها غير مكتملة لعدة سنوات حتى اشترتها الصين وأنهتها تحت اسم لياونينج. بالإضافة إلى المروحيات, تشغل كوزنيتسوف قاذفات ميج – 29 كيه وسو-33. تتميز كوزنيتسوف بتسليح صاروخي أثقل من معظم السفن الغربية.

ولسوء الحظ, عثرات كوزنيتسوف جعلت من الصعب على الطيارين البحريين الروس أن يظلوا مدربين وفاعلين. لقد عانت السفينة من أعطال متعددة على مدار مسيرتها المهنية, والتي شملت مشاكل كبيرة في محركاتها، والكثير من هذه المصاعب جاءت نتيجة للتراجع الهائل في أموال الصيانة بنهاية الحرب الباردة, لكن بعضها كان النتيجة الحتمية لانعدام الخبرة في نوع السفينة. اشتركت أدميرال كوزنيتسوف في عدة رحلات بحرية مهمة, لكن جاءت مشاركتها الأبرز في 2016 إلى سواحل سوريا. وبعد رحلة واسعة الشهرة إلى المتوسط, أجرت كوزنيتسوف عمليات قتالية لمدة شهرين، كما كان للعمليات تأثير دعائي أكثر من التأثير العسكري الحقيقي, وخسرت كوزنيتسوف طائرتين (واحدة ميج-29 كيه وواحدة سو-33) في حوادث، وتخضع الحاملة حاليًا للتجديد.

ومن أجل دعم كوزنيتسوف, حاولت روسيا شراء زوج من الحاملات الهجومية الفرنسية, لكن ضم القرم أجبر باريس على إلغاء الصفقة. كانت هذه السفن ستسخدم كمنصات برمائية بقدرات مضادة للغواصات, وكانت أيضًا ستمد البحرية الروسية بالخبرة في السفن الكبيرة نسبيًّا والمتطورة تكنولوجيًّا. في الواقع, كان جزء من الصفقة سيسمح لروسيا ببناء سفينتين ميسترال بالمواصفات الفرنسية في مياهها الخاصة, ما كان سيقدم هدية كبيرة لصناعة بناء السفن الروسية.

المنطق الاستراتيجي
تمتلك روسيا جغرافيا بحرية فريدة, بأربعة أساطيل تعمل من أربعة سواحل عاجزة عمليًّا عن تقديم الدعم المتبادل. خلال الحقبة السوفيتية, دعمت الحاملات أسطول غواصات الصواريخ الباليستية النووية, حيث قدمت الحماية الجوية والمضادة للغواصات للمناطق التي حرستها هذه الغواصات، وهذه المهمة سمحت للحاملات بالتقليل من أهمية قدرات الضرب لصالح الأسلحة الدفاعية أكثر. ومؤخرًا, استخدمت البحرية الروسية أدميرال كوزنيتسوف بشكل رئيسي كأداة للنفوذ والهيبة، إلى جانب الطراد القتالي النووي Pyotr Velikiy وبضعة سفن أخرى, فإن كوزنيتسوفتجسيد مرئي للقوة البحرية الروسية؛ ما يجبر الدول الأخرى على الانتباه إلى المصالح الروسية. وكما تشير المهمة في سوريا, ربما تركز روسيا أكثر في المستقبل على تطوير قدرات الضرب كي تستعرض المزيد من القوة.

المستقبل
ألغت روسيا حاملات أكثر مما فكرت فيه معظم الدول. في السبعينيات, فكر الاتحاد السوفيتي في حاملة الطائرات النووية من فئة أوريل بإزاحة 72 ألف طن, لكنها اختارت فئة كييف، والسفن التي أصبحت في النهاية كوزنيتسوف ولياونينج. وقد ضع السوفييت الأساس لحاملة بإزاحة 80 ألف طن تسمى أوليانوفسك في 1988, لكنهم تخلصوا من السفينة غير المكتملة عندما انتهت الحرب الباردة.

ويعلن مخططو الدفاع الروس في كثير من الأحيان عن مشروعات كوسيلة لكسب الموارد والوجاهة, وليس كجزء من خطة لبناء شيء محدد. وفي مرحلة ما, أشار الرئيس ديمتري ميدفيديف إلى أن روسيا ستبني وتشغل 6 حاملات طائرات بحلول 2025؛ ومن الواضح أن هذا لن يحدث. لكن توجد قائمة لمشروع حاملة Project 23000E Shtorm, وهي حاملة نووية بإزاحة تبلغ 100 ألف طن وتقنيات تشغيل حديثة. ومن المفترض أن الحاملة ستضم مقاتلات ميج – 29 كيه, على الرغم من أن عمر تلك الطائرة يشير إلى الحاجة لبديل. مع هذا, تعد قدرة روسيا على بناء هذه السفينة في ظل الظروف الحالية موضع شك كبير.

إن قدرة الطيران لدى البحرية الروسية معلقة بخيط. كوزنيتسوف قديمة وفي حالة سيئة, ولا توجد حاملة قريبة من التشغيل. لم يحظ الأسطول الروسي بقدر كبير من الاهتمام في خطط التحديث العسكري الأخيرة, وصناعة بناء السفن الروسية لم تبنِ سفينة حربية بحجم وتعقيد كوزنيتسوف منذ …. كوزنيتسوف.

وعليه, يبدو أن الكرملين يرى حاملات الطائرات مساهمًا مهمًا للوجاهة الوطنية. لقد بذلت البحرية الروسية جهدًا كبيرًا لكي تجعل كوزنيتسوف في وضع يسمح لها بدعم العمليات في سوريا, وبالرغم من الإحراج المرتبط بذلك, أدخلت الحاملة الآن في عملية تجديد كبرى. إذا حدد الكرملين أنه يحتاج لحاملة لكي يساير فرنسا, وبريطانيا, والصين والهند, سيحتاج للبدء في التفكير جديًّا في كيفية بناء هذه السفينة أو الحصول عليها. ومن الممكن تصور أن موسكو ربما تفكر في طلب حاملة من الصين في المستقبل. بخلاف ذلك, تحتاج روسيا للبدء في ترسيخ الجداول الزمنية للبناء قريبًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى