بهدوء شهر القرآن ورياحين الجنان
بقلم إبراهيم فياض
نحن في شهر أوله رحمة وأوسطة مغفرة وأخره عتق من النار اللهم إجعلنا من عتق رقابهم من النار بفضلك ياعزيز ياغفار ولكن يستوقفني هذا الشهر المبارك العظيم الذي كان يمر علينا مرور الكرام وفي هذا الشهر أحداث كثيرة كما تمر علينا ذكري عطرة،ففى السابع عشر من رمضان كل عام نعيش ذكرى انتصار المسلمين فى غزوة بدر والتى وقعت فى السنة الثانية من الهجرة بين المسلمين بقيادة النبى صل الله عليه وسلم وبين قريش بقيادة عمرو بن هشام( أبو جهل)،حيث بلغ عدد المسلمين ٣١٤مقاتل ،بينما كان عدد المشركين ١٠٠٠ مقاتل،ودارت المعركة وحمى الوطيس عند بئر بدر وهو مكان بين مكه والمدينة،وانتهت معركة الفرقان بإنتصار المسلمين على المشركين وقتل وأسر خلق كثير من قريش.
وترجع أسباب الغزوة الى وصول أخبار للمسلمين بقدوم قافلة قريش من الشام بقيادة أبو سفيان بن حرب محملة بالبضائع ،فطلب النبى من الصحابة الخروج معه لإعتراض القافلة وكان لا يريد قتالا،وإنما قصد عير قريش،عوضا لهم عما أخذته قريش من أموالهم،وما أن وصل الخبر لأبوسفيان حتى غير طريق القافلة واستنجد بقريش لإنقاذ القافلة،وأرسل اليهم عمرو بن ضمضم يحرضهم على قتال المسلمين ،فقرروا الخروج لما راوه من امتهان للكرامة وتعرض اقتصادهم للخطر،وبعد نجاة أبو سفيان بالقافلة طلب من قريش العودة لمكة ولا داعى للقتال،وأصروا على قتال المسلمين لتأمين الطريق التجاري للشام،وقد ظهر عناد أبو جهل بقوله ردا على أبو سفيان “والله لا نرجع حتى نرد بدرًا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا” ولم يكترث بنصيحة أحد،حيث سيطر الكبرياء على الموقف.
وعلى الجبهة الإسلامية فقد أستشار النبى اصحابه وأجمعوا على قتال قريش وملاقاة المشركين،فها هو الصحابى الجليل المقداد بن الأسواد يقول لرسول الله : لا نقول كما قال قوم موسي له ” فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”،ولكن امض ونحن معك نقاتل عن يمينك وعن شمالك،وكذلك ما قاله الصحابى سعد بن معاذ حامل لواء الأنصار لرسول الله ” امض لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد”،وقد رفعت هذه الكلمات من معنويات الصحابة،واستطاعت المخابرات الإسلامية جمع الاخبار عن العدو،وعلموا من غلامين عدد جيش المشركين من خلال السؤال الذى وجه لهما: كم ينحرون ؟فقالا: يوما تسعا ويوما عشرا،وسؤاله للشيخ الذي لقيه فى بدر.
وقدتحرك رسول الله إلى موقع ماء بدر، وبالقرب من مكان المعركة، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر فقال الحباب بن المنذر: يا رسول الله: أرأيت هذا المنزل، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: “بل هو الرأي والحرب والمكيدة” قال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فانهض يا رسول الله بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم- أي جيش المشركين- فننزله ونغور – نخرب- ما وراءه من الآبار ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون ،فأخذ النبى برأيه،واقترح الصحابى سعد بن معاذ بناء عريش للنبى ليكون مقرا للقيادة وحماية له من أي خطر،وقبل المعركة أنزل الله على المسلمين النعاس والمطر كما جاء فى القرأن الكريم “إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام”،وكان نزول المطر خيرا ليغتسلوا ولثبوت الرمل حتى يستطيعوا القتال وتثبت أقدامهم( المدد الألهى).
ولا ننسى أن النبى صف الصحابة واستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه فجعل المشركين يسقبلون الشمس،وهذه حنكة قائد عظيم أن يجعل الشمس خلفه ويجعلهم يقاتلون فى وجه الشمس !!!،ثم أخذ يحرض الصحابة على القتال لنيل شرف الشهادة فى سبيل الله والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض،كما كان يبشرهم بمقتل صناديد قريش والنصر على المشركين وهذه تعبئة معنوية،وقد دعا النبي ربه لينصره وليهلك قريش،قال الله تعالى ” إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين”،وقال الله ” وَلَقَدْ نَصَّرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِين بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِين”.
وقد اندلعت المعركة بالمبارزات الفردية،وقتل ثلاثة من جيش النشركين،فخرجت قريش غاضبة،والتحم الجيشان وكان شعار المسلمين (أحد أحد) والنبى يردد”سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر”،وقذف الله في قلوب الأعداء الرعب وأنزل الملائكة تقاتل مع المؤمنين” إذ يوحى ربك الى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين أمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب..) وقد حمى وطيس المعركة وانتصر النبى ومن معه وقتل سبعين رجلا من المشركين أغلبهم من قادة قريش وعلى رأسهم أبى جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأسر سبعين،واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا منهم حارثة بن سراقة وسعد بن خيثمة وعمير بن أبى وقاص وعوف بن الحارث.
ومن نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين وازياد ثقة المسلمين بالله وبرسوله،وفقدان قريش مكانتها وتراجعت وسقطت أسطورتها المزعومة،وأصبح للمسلمين مكانة عظيمة عند العرب والعجم .
وهناك دروس وعبر من غزوة بدر منها:
١- أهمية الأخذ بالأسباب، ومنه تقصي أخبار العدو والتجهيز للمعركة.
٢- استواء القائد والجند في تحمل الشدائد والمصاعب، فها هو صلى الله عليه وسلم يتعاقب مع علي بن أبي طالب وأبي لبابة على بعير واحد، ويأبى أن يؤثراه، ويقول: «مَا أَنْتُما ما بِأَقْوَى مِنِّي، وَلا أَنَا بأِغْنىَ عَنِ الأجْرِ مِنكُما.
٣-أهمية الأمير ودوره في الحضر والسفر، فقد استعمل صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس، ورد أبا لبابة من الروحاء، واستعمله على المدينة.
٤- تطبيق مبدأ الشورى، وتعويد الأمة على ممارستها،وقبوله صلى الله عليه وسلم بمشورة الحباب بن المنذر بشأن ماء بدر.
٥- أهمية حماية القائد في المعركة، ويظهر ذلك من بناء الصحابة عريشًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
٦- نيل الشهادة فى سبيل الله والتعلق بالجنة،والوفاء بالعهد، ومنه ما حدث مع حذيفة بن اليمان ووالده، حين أخذ المشركون منهم العهد ألا يقاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذكرا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «نستعينُ اللهَ عليهمْ، وَنَفِي بِعَهْدِهِمْ»، فذاك الذي منعهما أن يشهدا بدرًا.
٧- التخطيط الجيد والتنظيم كالتنويع في استخدام الأساليب الحربية، ومن ذلك:ما فعله صلى الله عليه وسلم، من جعل المسلمين في صفوف للقتال، على خلاف عادة العرب في استخدام أسلوب الكر والفر،واستقباله المغرب وجعل الشمس خلفه، فاستقبل المشركون الشمس.
٨- التوكل على الله والتضرع اليه وإكثاره صلى الله عليه وسلم من الدعاء حتى سقط رداؤه .
٩- حسن معاملة أسرى العدو، والتواصي بهم، والمعاملة الطيبة لهم والعدل وعدم المحاباة ،و الحرص على نشر العلم والمعرفة ومحو الأمية، ويظهر ذلك في جعله صلى الله عليه وسلم، فداء من لم يكن له فداء من مال، تعليم أبناء الأنصار الكتابة.
١٠- العدل في توزيع الغنائم، ومنه توزيعه صلى الله عليه وسلم الغنائم على الصحابة بالتساوي.
١١- تكريم الشهداء ورعاية أبنائهم، ومنه إسهام الرسول صلى الله عليه وسلم، لمن استشهد ببدر، فأعطى ذلك لورثتهم.
١٢- حقيقة النصر هي من عند الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}،”وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي”وأخيرا أقوال لكم كل عام وأنتم ومصرنا الحبيبة بخير وأمان وسلام