مقالات

طارق الكرداوى وكوبري قهْرنا ….

منذ الأمس وأنا أشاهد كوميكسات وتعليقات طريفة ، وسخرية حادة من صور الكوبري الملاصق للعمائر في شارع فيصل ، والذي اعترفت الحكومة بوجوده على هذا الوضع العجيب ، وادعت أن العمائر حوله أكثرها مخالف .. وأنهم رصدوا 250 مليون جنيه لمن يستحقون التعويض ، بشريطة نزع ملكيتهم للشقق وهدمها ،
الحقيقة لم أجد الموضوع طريف بالمرة، بل وجدته مؤلم وكئيب ، وتجسيد لصورة القهر الشديد الذي وصل له الشعب المصري في زمن #السيسي التعيس 

الحكومة عملت كوبري ، دمر أبراج سكنية بالكامل ، نَكّد على حياة العشرات من العائلات المصرية ، شقق سكنية تحولت لمقابر ، وأخرى (بدروم) ، وثالثة ، ترفع شعار : أهلا باللصوص والمتطفلين ، عمائر تكلفت الملايين، باتت فجأة ، بمهب الريح ، عرضة لحادث سيارة واحد ، يشعلها حريقا ، أو يفجرها فوق رؤوس الساكنين،

كانت الأسئلة المنطقية التي وردت بذهن الجميع :
هو مكانش في تخطيط وحسابات للشوارع التي سيمر من خلالها الكوبري ؟!
طيب هو مكانش ينفع يتغير مساره ؟!
طيب .. مكانش ينفع نستبدله بنفق ؟!
أيه الضرورة الحتمية منه ؟!
ولما الحكومة اعترفت بأحقية البعض في التعويض ، يعني أن الخطأ من البداية كان في التخطيط ، والعمارات المتضررة والغير مخالفة باعترافهم ، لم يُنظر لهم أصلا ولم يوضعوا في الاعتبار ، لا عند التخطيط ولا التنفيذ ، وإلا ، لو استحالة تغيير مسار الكوبري ، كان على الأقل تم هدم هذه العمائر أولا ، وتعويض أصحابها قبل أن نرى هذا المشهد الشنيع !!

● لكن هل تضع الحكومة اعتبارا ولا احتراما لحياة المواطنين ؟!

تردد في رأسي، صوت عمرو أديب المزري والقميء ، وهو يصرخ في المصريين المعترضين على الاهمال الشديد والحشرات والقاذورات فيما يسمى بالحجر الصحي بالمدن الجامعية للعائدين من الخارج ، قائلا :

“هي دي أوضاع البلد ، ولو مش عاجبك ، ماتجيش “

شقى عمرك الذي ادخرته ودفعته في شقة تسترك أنت وأولادك .. رااح
والدولة شايفة أنك مخالف، ولن تعوضك بمليم واحد ، حتى لو كانت هي من رخصت لبناء بيتك ، وأمدتك بالخدمات من مياه وغاز وكهرباء !
**هو كده ، مش عاجبك ، اخبط راسك في الحيط

زادت دهشتي وحزني حين عرفت أن تكلفة هذا المحور ، أربعة مليار ومئتي مليون جنيه ، شقق للبيع في اسطنبول وهدفه تقليل الازدحام في منطقتي فيصل والهرم ، وتوفير عدة دقائق لمستخدميه من الركاب والسائقين
بلدنا رصدت أربعة مليار جنيه لتخفيف الازدحام ؟!!
لو كانوا سألوا أهالي محافظة الجيزة : ليكم عندنا 4 مليار ، فماذا تحتاجون ؟! اعتقد أن آخر حاجة في طابور طويل جدا من الاحتياجات والاهتمامات ، هتكون الازدحام ، وممكن مايفكروش فيها بالأساس !

أربعة مليارات كافية لبناء 8 مستشفيات كبرى ، سعة كل مستشفى منهم 200 سرير (بواقع متوسط 500 مليون جنيه لبناء المستشفى ، كما رصدتها وزارة الصحة العام الماضي لمستشفى العاشر الجامعي لخدمة محافظة الشرقية ومدينة العاشر من رمضان )

أربعة مليارات كافية لبناء أكثر من 500 مدرسة ، بواقع متوسط 7 مليون جنيه لبناء مدرسة نموذجية ، كالتي رصدتها الحكومة لبناء عدد من المدارس بالجيزة منذ عامين

أربعة مليار كافية لبناء مصانع ، تنتج حاجاتنا الأساسية ، وتشغل الآلاف من العمال
أربعة مليار كافية لاستصلاح مئات الأفدنة وتوفير ما نحتاجه من محاصيل ومزروعات

بأي عقل وبأي منطق ، الدولة التي اعترف حاكمها منذ ثلاث سنوات ، في لقاء علني له مع رئيس فرنسا ، أنها معندهاش تعليم جيد ولا علاج جيد ولا إسكان ولا توظيف ، ألقت 4 مليار و200 مليون جنيه على الأرض ، في خوازيق وكباري وزفت وأسفلت!!

بأي عقل وبأي منطق ، يتم استكمال بناء كباري ، وملايين تهدر عليها ، وعمال يعملون فيها ، في ظل وباء عالمي ، وجائحة ، تقترض لها الحكومة لمواجهتها ، ومرضى يموتون في مستشفياتها ، وهم يستغيثون من الإهمال والعجز ونقص الأدوات والمعدات ؟!!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى