مقالات

والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون

بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الزمان يشهد يا ابن آدم، فيقسم اللع عز وجل في كتابه فيقول تعالي ” والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود ” ولكن فما الشاهد ؟ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، واليوم الشاهد يوم الجمعة” رواه الترمذي، ووالله ما من يوم طلعت عليه الشمس أفضل من يوم الجمعة، فيه ساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعاء إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه، فهذا اليوم، يوم شاهد يوم القيامة لك أو عليك، وهذا اليوم سيشهد علينا بأعمالنا، فإن أفضل الأعمال تشهد، وأفضل الأماكن في الأرض تشهد، وأفضل الرسل يشهد، وأفضل الملائكة تشهد، وأفضل الصالحين يشهد.
فمن يشهد لنا بعد ذلك إن شهدوا هؤلاء علينا، وقيل أن رجل من التابعين كان بالبصرة له غلام بالسوس فجهز إليه السكر فكتب إليه الغلام إن قصب السكر قد أصابته آفة في هذه السنة فاشتر السكر، قال فاشترى سكرا كثيرا، فلما جاء وقته ربح فيه ثلاثين ألفا، قال فانصرف بها إلى منزله فأفكر ليله في الربح فقال ربحت ثلاثين ألفا وخسرت نصح رجل من المسلمين، فلما أصبح غدا إلى الرجل الذي كان اشترى منه السكر فدفع إليه الثلاثين ألفا فقال هذه لك بارك الله لك فيها، قال ومن أين صارت؟ قال لما اشتريت منك السكر لم آتي الأمر من وجهه، إن غلامي قد كان كتب إليّ أن قصب السكر أصابته آفة فلم أعلمك ذلك ولعلك لو علمت لم تكن تبيعني، فقال رحمك الله قد أعلمتني الآن، وقد طيبتها لك.
قال فرجع إلى منزله فبات تلك الليلة ساهرا أو جعل يتفكر في ذلك ويقول لم آتي الأمر من وجهه ولم أنصح مسلما في بيعه لعله استحيا مني فتركها لي فبكر إليه من الغد فقال عافاك الله خذ مالك فهو أصلح لقلبي، قال فدفع إليه ثلاثين ألفا، وكان مالك بن دينار يمشي في سوق البصرة فرأى التين فاشتهاه، ولم يكن معه نقود فخلع نعله وأعطاه لبائع التين فقال لا يساوي شيئا فأخذ مالك نعله وانصرف فقيل للرجل إنه مالك بن دينار فملأ الرجل طبقا من التين وأعطاه لغلامه ثم قال له ألحق بمالك بن دينار فإن قبله منك فأنت حر فعدا الغلام وراءه فلما أدركه قال له اقبل مني فإن فيه تحريري، فقال مالك إن كان فيه تحريرك فإن فيه تعذيبي، فألح الغلام عليه فقال مالك بن دينار أنا لا أبيع الدين بالتين ولا آكل التين إلى يوم الدين.
وإن من الصفات الإسلامية المطلوبه هو الالتزام بالعهود والعقود والوفاء بها، فإن من الأمور والضوابط المرعية التي حثنا عليها الله عز وجل هو الوفاء بالعهود والمواثيق فقال الله تعالي في سورة المؤمنون ” والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” وكما قال تعالي في سورة الإسراء ” وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا” والبيع والشراء عقد والله يقول ” وأشهدوا إذا تبايعتم” وكل ذلك من أجل رفع الحرج، والوفاء بالعقود وعدم الخيانة والخداع في ذلك، وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أن رجلا من بنى إسرائيل سأل بعض بنى إسرائيل أن يسلفه ألف دينار قال ائتني بالشهود أشهدهم عليك قال كفى بالله شهيدا قال فأتني بكفيل قال كفى بالله كفيلا قال فدفعها إليه إلى أجل مسمى.
فخرج في البحر وقضى حاجته ثم التمس مركبا يقدم عليه للأجل الذى أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها الدنانير وصحيفة منه إلى صاحبها ثم سد موضعها ثم أتى بها البحر فقال اللهم إنك تعلم أنى تسلفت من فلان ألف دينار وسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضى بك وسألني شهودا فقلت كفى بالله شهيدا فرضى بك وقد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذى له فلم أجد مركبا وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذى كان سلفه رجاء أن يكون مركبا قد جاء بماله فإذا هو بالخشبة فأخذها لأهله حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الرجل فأتاه بألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك.
فما وجدت مركبا قبل الذى أتيت فيه فقال هل كنت بعثت إلى بشيء قال نعم قال فإن الله عز وجل قد أدى عنك فانصرف بالألف دينار راشدا” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى