مقالات

من رسائلكم “التفاهة أسلوب حياة”

بقلم ا.د/إبراهيم محمد مرجونة

أستاذالتاريخ والحضارة الإسلامية-رئيس قسم التاريخ

كلية الآداب بدمنهور

 

 

 

 

 

 

 

يقول العم صلاح جاهين في رباعياته: و الكون ده كيف موجود من غير حدود
……..و فيه عقارب ليه و تعابين ودود…..عالم مجرب فات و قال سلامات…….ده ياما فيه سؤالات من غير ردود…..عجبى !!!
كثيرا ما نردد كلمة “تفاهة” أو “تافه” علي مدار يومنا، وكثيرا منا ينسب كل فعل التفاهة، ووصف الأفعال بالتفاهة ويقول أن الكلام تافه والعبارة تافهة والأمر تافه وبسيط .ولكن ما معنى التفاهة أو ما هو المفهوم الدارج لاستخدام مصطلح التفاهة.
تفاهة: هي كلمة تتردد علي ألسنتنا وأسماعنا بهدف تحقير الشيء أو التهاون في مفهومه وتأثيره أو التقليل منه بغرض تبسيطه. ولكن هل التفاهة تعنى غياب الوعى؟ وما علاقتها بالوعى؟
تترجم كلمة “تفاهة “بمعنى غياب الوعي في حال عدم إدراك النتائج والآثار الناتجة عن تبسيط الأمر أو جعله تافه ويأتي ذلك من غياب الوعى بالأمور سواء كانت أمور عامة أو خاصة .فنجد أنفسنا نقع في بؤرة عميقة يتجمع فيها غياب الوعي والثقافة والاستخفاف بالأمور وترك مجريات مسرحها للظروف. وإذا بحثنا في اللاوعي عن الوعى ،نتخلص وقتها من بحر التفاهات التي سادت المجتمع والغير محمودة عواقبها. فنجد علي سبيل المثال العالم الذي غير المستقبل وانتقل بتفكيره من التفاهة للتعمق والتأمل “نيوتن ” مكتشف الجاذبية الذي انشغل بتفكيره في أمر يمثل لكثير منا أمر تافه فحول اللاوعي إلي حقائق علمية مدروسة سبقت حاجز الزمن وتوصل لواحدة من أهم النظريات ،وحول التفاهة إلي تفكر وحساب. وغيره كثير من العلماء غيروا بفكرهم العالم واجتازوا تفاهات الحياة.
ولكن الداعي للعجب والدهشة في زماننا هذا أن معظم الناس قد اعتادوا علي الغوص في قاع التفاهات بل والغرق فيها دونما تفكير، أو حتي إعمال العقل لمثل هذه الأمور التي نراها بسيطة مع أنها قد تغير مجري حياتنا. ليس لأننا انشغلنا بما يكفي عن التفكير في حياتنا،بل لأننا غرقنا في غياب الوعي بأمور ديننا ودنيانا، والأسوء من هذا كله أن معظم من يتحدث عن الوعي لا يعي ما هو الوعي، بل ينشر ثقافة مزيفة وفكر مسموع غير فاهم لما يردد. يتحدث فيما لا يعي وينشر ما لا يفهمه ويتملق ويتشدق بما يسمع مرددا كالببغاء. بكلمات وخطب رنانة اعتقادا منه بأن ما يدركه هو لا يدركه غيره.
في كتابه ” أسلحة صامتة لحروب هادئة ” يتحدث المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي عن فكرة إلهاء الشعوب والمجتمعات وعن ثقافة السيطرة على الرأي العام والتحكم في توجهاته فيعتبر ” أن الإلهاء هو عنصر أساسي لتحقيق الرقابة على المجتمع من خلال تحويل انتباه الرأي العام عن القضايا المهمة وإغراق الناس بوابل متواصل من وسائل الترفيه وحشو ذهنه بكم كبير من المعلومات بعضها صحيح وأكثرها من الشائعات لتشويش ذهنه وحصر اهتمامه في كيفية معرفة ما هو الصحيح وما هو الزائف من هذه المعلومات وهي إستراتيجية ضرورية لمنع الناس من الوصول إلي المعرفة الأساسية وجعل الرأي العام بعيدا عن مشاكله الاجتماعية الحقيقية لذا نجد السواد الأعظم من الجماهير لا تفكر ولا تسأل ولا تبحث وتنحصر في مشاكل ثانوية لا قيمة لها وإيماناً منها بأنها قضايا كبرى ومهمة ”
ولكن من خلال هذا المقال أود أن أوجه نداء لكل من يتحدث هباء دونما وعي لأوقظه من غفلته وغياب وعيه بحاله وحوله، ولابد أن يعيد أوراق حياته ويرتب أفكاره في صمت ليتفهم معناها، ويتأكد من مصادر ثقافته ودلائله قبل أن يقع في بؤرة الغفلة والتفاهات. فدعك من ” سارة وكايا ،حمو بيكا ومجدي شطة، عالم الترندات ، واليتيوبر ،و الافلام الاباحية للمشاهير وفساتين الفنانات ، وصراعات المشجعين بلغتهم “التحفيل “، وهلم جرا من قضايا وهمية سرمدية لانهاية لها .قال عليه أفضل الصلوات والتسليم “أحرص على ما ينفعك”.
فكم من كلمة صغيرة تافهة قد تغير الحقائق وكم من كلمة صادقة واعية أحيت عقول وعالجت غياب وعي. وكم من فكر متسلط وتافه هدم مجتمعات، فعلينا من الآن التفكر والتدبر والتخلي عن الفكر التافه. فلنتمسك بثقافتنا وننمى وعينا بالعلم والمعرفة والحقائق والتفكير الدقيق ومحاسبة النفس واللسان قبل فوات الأوان وليسأل كل منا نفسه:هل هو فعلا واع أم أنه ناطق لما يسمع مردد دون وعي غير مدرك للعواقب الوخيمة التي قد تترتب علي غياب الوعي والوقوع في وحل التفاهة؟!!!!!.
وقد ذهبت الحكمة إلى أن “الوعي في العقول وليس في الأعمار، فالأعمار مجرد عدد لأيامك ،أما العقول فهي حصاد فهمك وقناعتك للحياة.”

محمد على

صحفى ومحرر أعلامى ورئيس تحرير وكالة الانوار اليوم الاخبارية ومسئول الديسك المركزى لبوابة الحقيقة نيوز والمراسل اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى